الساعات

كرونوميتري فِرديناند بيرتو.. احتفاء يستعيد الأمجاد

في العام 1770، مُنح صانع الساعات وأجهزة الكرونوميتر العبقري فِرديناند بيرتو لقب الساعاتي والميكانيكي الخاص بالملك وقوات البحرية الفرنسية. وتحتفي مجموعة ساعات كرونوميتري فِرديناند بيرتو بمناسبة مرور 250 عاماً على ذلك الحدث، من خلال الكشف عن مجموعة ساعات جديدة تحمل اسم كرونوميتري إف بي 2آر إي، مستوحاة من الساعة البحرية رقم 6 مارين كلوك رقم 6، تتوافر في إصدارين محدودين ومرقمين يضم كل منهما 10 قطع؛ أحدهما صُنع من الذهب الوردي عيار 18 قيراطاً، مع ميناء بطلاء المينا الأسود، والآخر من الذهب الأبيض عيار 18 قيراطاً، مع ميناء بطلاء المينا الأبيض.

تعيد الساعة الجديدة تأويل هندسة وتصميم تلك الساعة البحرية. ويمتد على طول جانبها نافذة عرض بانورامية كبيرة تتيح رؤية شاملة لآلية الحركة، داخل العلبة المستديرة للساعة المصنوعة من الذهب عيار 18 قيراطاً، والتي تحتضن ميناء مطلياً بالمينا بتقنية غران فو للطلاء المعالج حرارياً، وبهيكلية معقدة ذات مستويين. وتكمن تحت هذا العرض التقليدي المنسّق للزمن آلية حركة استثنائية؛ حيث تجمع ساعة كرونوميتري إف بي 2آر إي الجديدة بين: آلية نقل الحركة الرمزية بواسطة البكرة المخروطية والسلسلة، وآلية التعادل كل ثانية remontoir d’égalité.

تميز مطلع القرن الثامن عشر بغزو المحيطات، وانخرطت كل من إنجلترا وفرنسا في معركة شاملة، بغية تطوير وسيلة لحساب خط الطول أثناء الرحلات البحرية؛ تتمثل بالتحديد في ساعة أو أداة لضبط الوقت. وقد جرّب العديد من صنّاع الساعات المشهورين تقنيات جديدة، لتطوير أداة قياس موثوقة ودقيقة، تتحمّل حركة السفينة وتأرجحها، إضافة إلى تحمل التغيرات في درجات الحرارة، من دون أن يؤثر ذلك في دقتها.

في العام 1770، وعقب نجاح التجارب البحرية التي أجريت في عامي 1769-1768 للساعتين البحريتين مارين كلوك رقم 6 ومارين كلوك رقم 8؛ فاز فِرديناند بيرتو باللقب المميز الساعاتي والميكانيكي الخاص بالملك وقوات البحرية الفرنسية، والذي منحه إياه الملك لويس الخامس عشر، وتسلم تكليفاً ملكياً بمهمة صناعة 20 ساعة بحرية؛ حيث استُخدمت في العديد من عمليات المسح البحري لرسم الخرائط، التي جرت في أواخر القرن الثامن عشر.

واحتفالاً بمرور 250 عاماً على ذلك الإنجاز العلمي الكبير، تقدم كرونوميتري فِرديناند بيرتو مجموعة رمزية جديدة: هي كرونوميتري إف بي 2آر إي؛ حيث يأتي هذا الموديل كإشادة وتكريم لعبقرية فِرديناند بيرتو، التي تكشّفت في الساعة البحرية الاستثنائية مارين كلوك رقم 6. ذلك أن ساعة كرونوميتري إف بي 2آر إي تستلهم هندسة وتصميم تلك الساعة البحرية، لتقدم آلية حركة جديدة، تمثل رمزاً لتميز ودقة أجهزة الكرونوميتر، متجسدة في كاليبر FB-RE.FC، المزود بآلية التعادل في كل ثانية remontoir d’égalité؛ التي غالباً ما يُشار إليها في لغة صناعة الساعات الإنجليزية باسم remontoire ريمونتوار.

من الساعة البحرية مارين كلوك رقم 6 إلى ساعة الكرونوميتر كرونوميتري إف بي 2آر إي

علبة معيارية: كما وصفها فِرديناند بيرتو في رسالته أطروحة عن الساعات البحرية (Traité des horloges marines)، والتي نُشرت في باريس في العام 1773؛ فإن آليات حركات الساعات البحرية تكون محمية داخل أسطوانة نحاسية مجوّفة، يتم الحفاظ عليها في وضع أفقي بواسطة نظام تعليق ذي محاور قام هو باختراعه.

تحاكي علبة ساعة كرونوميتري إف بي 2آر إي شكل تلك الساعات البحرية وتلك البنية المعيارية، حيث يتم تثبيت الحركة ضمن حاوية أسطوانية، مصنوعة من الذهب عيار 18 قيراطاً، تقاوم تسرب الماء حتى عمق 30 متراً. أما مقابض السوار القصيرة والمستدقة، فتُثبّت إلى العلبة بقوة ببراغ منمّقة لتضمن سلاسة ملاءمة ساعة كرونوميتري إف بي 2آر إي لشكل المعصم. وضمن إطار مثبّت بالبراغي تظهر على محيط العلبة عند موضع الساعة 10، نافذة بانورامية كبيرة تتيح إطلالة شاملة، تكشف عن بناء الحركة العامودية، وكذلك برميل الطاقة وسلسلته.

تتعزز العلبة المستديرة التي يبلغ قياس قطرها 44 مم وسماكتها 14 مم؛ بإطار منحن لزجاج الساعة المحدب بقوة المصنوع من البلور الصفيري المضاد للانعكاسات chevée. كذلك جاء ظهر العلبة مزوداً بلوح من البلور الصفيري، ليتيح إمكانية رؤية وتثمين جمال الحركة البديع الذي لا يُضاهى. أما القطر الكبير للتاج المخرش، فيجعل من السهل إمساكه وبالتالي تسهيل تعبئة الحركة. وقد أُدمج التاج في جانب العلبة بفضل وجود غطاء واقٍ للتاج مثبت بالبراغي، ويتميز التاج أيضاً بنظام ديناميكي ينفصل تلقائياً بمجرد اكتمال تعبئة برميل الطاقة.

يُستورد الذهب المستخدم في صُنع ساعات كرونوميتري إف بي 2آر إي، من مصادر أخلاقية وفق نظام وضعه كارل-فريدريك شويفلي، رئيس ومؤسس علامة كرونوميتري فِرديناند بيرتو، في دار شوبارد التي يشغل فيها أيضاً منصب الرئيس الشريك.

ميناء مطلي بالمينا: من أجل تسهيل قراءة الساعات والدقائق خلال الرحلات البحرية، صمّم فِرديناند بيرتو ميناء ببنية ذات مستويين ونوعين من التدريجات لساعته البحرية مارين كلوك رقم 6. ففي مركز الساعة تظهر مشيرات الساعات بالأرقام الرومانية، لتتميز عن دائرة الدقائق التي تظهر بالأرقام العربية على محيط الساعة.

وتتبع بنية الميناء في ساعة كرونوميتري إف بي 2آر إي هذا المبدأ ذاته، في الوقت الذي تضيف إليه درجة إضافية من التعقيد، باختيار تصنيعه من المينا المزجج بتقنية غران فو المعالجة حرارياً. وهكذا فإن هذا الميناء يتألف من عنصرين: أولهما مقبب يقع في الحد الخارجي للميناء، ومصمم ليحمل المقياس المدرّج، في حين أن ثانيهما يقع في مركز الميناء ومنخفضاً قليلاً عن محيطه، ويتخذ شكل قرص دائري – رصيعة – مسطح. وهذا العنصران مصنوعان من المينا المزجج بتقنية غران فو المعالجة حرارياً، والتي تتطلب العديد من عمليات الشيّ الحراري في فرن خاص على حرارة مرتفعة تبلغ 800 درجة مئوية. بينما صُنعت القاعدة المعدنية لعنصري الميناء من الفولاذ غير الممغنط؛ وهو خيار يتطلب التقيد التام بدرجات الحرارة اللازمة، علاوة على الدقة المتناهية في أوقات التسخين من أجل تجنب حدوث أي تشوه، وفي الوقت نفسه منع نشوء أي سماكة زائدة نتيجة وضع طبقة المينا التقليدي.

آلية البكرة والسلسلة لنقل الحركة: يُعد كاليبر FB-RE.FC أحد الأمثلة النادرة على خاصية آلية البكرة والسلسلة لنقل الحركة، والتي تعمل على ضمان إمداد ثابت القوة من الطاقة لضابط الانفلات (مجموعة الميزان)، حيث يعمل هذا النظام كعلبة تروس للتحويل الأوتوماتيكي والمتغير بشكل لا متناهي. وتكمن الطبيعة المتميزة لكاليبر FB-RE.FC في أن بكرته مقلوبة، وخصوصاً أن برميل الطاقة والبكرة كلاهما معلّق؛ ما يعني أنهما مثبتان على الصفيحة الرئيسية من جانب واحد منهما فقط. وقد حظيت هذه البنية المذهلة على مصادقة ببراءة اختراع، حيث تعمل على حفظ ملليمترات قليلة وثمينة بتأثيرها.

آلية التعادل كل ثانية remontoir d’égalité: زُوّد كاليبر FB-RE.FC استثنائياً، إضافة إلى آلية إمداد القوة الثابتة، بآلية التعادل في كل ثانية remontoire ريمونتوار، التي تمكن رؤيتها على الجزء الخلفي من الحركة، وهي أحد أنظمة تنظيم عزم الدوران الأكثر تعقيداً في تاريخ قياس الزمن. وبعيداً عن تكرار دور البكرة، تكمل هذه الآلية عملها من خلال التركيز على نقطة أخرى؛ حيث تعادل البكرة عزم الدوران الواصل إلى مسلسلة التروس، ولكن عدم الانتظام في هذا العزم ينشأ عندما تتشابك مسننات التروس معاً. وهذه الاختلافات في عزم الدوران أقل كثيراً في مقدارها، من تلك الناتجة عن حل – فك – النابض الرئيسي، إلا أنها تنطوي على أهمية بالغة، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالدقة المتناهية التي تتطلبها ساعات كرونوميتري فِرديناند بيرتو.

الثواني المتقطعة: تُعد آلية التعادل كل ثانية remontoire ريمونتوار في ساعة كرونوميتري إف بي 2آر إي، آلية متميزة من حيث أنها تتوافق تماماً مع عجلة الانفلات، وبالتالي فهي مرتبطة مع مجموعة الميزان ارتباطاً مباشراً. وتنقل هذه الآلية قوتها المخزنة إلى الميزان بواسطة ضابط الانفلات بفواصل زمنية قصيرة، بحيث يكون التغير في قوة النابض الشعري غير مؤثر فلا يؤخذ بالحسبان. وفي هذه الحالة، اختارت كرونوميتري فِرديناند بيرتو أن يكون الفاصل الزمني بمقدار ثانية واحدة فقط.

يتصل كامل المنظومة مع عقرب الثواني المركزي، لتتيح لساعة كرونوميتري إف بي 2آر إي عرض الثواني الأساسية، أو عرض الثواني المتقطعة، مثل أجهزة الكرونوميتر البحرية، أو ساعات المكتب من نوع المنظم ذات العلبة الطويلة. ولتعزيز دقة العرض، يتم تحقيق الصلة بين مسننات مجموعة الميزان وعقرب الثواني المتقطعة عن طريق آلية خاصة للثواني المتقطعة.

نظام أخف وزناً: تقليدياً، تُعد آلية التعادل كل ثانية remontoire ريمونتوار شديدة الاستهلاك للطاقة أو كثيفة الطاقة، وخصوصاً بسبب الاحتكاك الذي تولده. وقد نجحت كرونوميتري فِرديناند بيرتو في تقليل هذا الاحتكاك، من خلال تثبيت آلية remontoire في المكان الذي يكون فيه عزم الدوران عند أدنى حد له. وبفضل جميع هذه الخيارات، تمكّن كاليبر FB-RE.FC من توفير احتياطي طاقة لمدة 50 ساعة، والذي يُشار إليه على الجزء الخلفي من الحركة، بواسطة عقرب مزرقن على شكل سهم مثبت على قطاع محفور على الصفيحة الرئيسية للحركة. ويخزن البرميل طاقة تكفي لعدة ساعات أخرى، إلا أن نظام إيقاف الثواني يحجزها خارج نطاق ضبط الوقت ذي الدقة المضمونة (بالكرونوميتر).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى