لقاءات

كرايون: معرفة الوقت Everywhere

في هذه السلسلة المستمرة من المقالات، التي تُنشر شهرياً، تركز داي آند نايت على الأفراد الذين كان لهم تأثير إيجابي في عالم صناعة الساعات الراقية…

على الرغم من أن الساعات والعديد من الأدوات التي تقيس الزمن أو تخبرنا بالوقت موجودة منذ قرون، إلا أنه كان من المستحيل تقريباً حساب أوقات الشروق والغروب في جميع أنحاء العالم في مواقع مختلفة، حتى ظهور ريمي مايات، مؤسس كرايون، الذي أذهل عالم صناعة الساعات بابتكاره Everywhere.

يمكن لبعض التقاويم الدائمة أو التقاويم الفلكية الأخرى حساب أوقات شروق وغروب الشمس، ولكن ذلك يكون فقط لموقع معين يتم تحديده بناء على طلب المشتري قبل خروج الساعة من ورشة التصنيع. ثم جاء ريمي مايات، الذي قادته رغبته في الغطس عند شروق الشمس إلى كتابة تاريخ جديد في صناعة الساعات.

إلى صناعة الساعات عبر صناعة الروبوتات!

لطالما كان ريمي مايات، المولود في مونترو، سويسرا، مهتماً بالهندسة الميكانيكية. فقد اختار دراسة التكنولوجيا الدقيقة في الجامعة، ويعترف ريمي بأنه في ذلك الوقت لم يكن حقاً مهتماً بصناعة الساعات في حد ذاتها.. يقول: كانت وسيلة لتعلم كيفية عمل آليات الحركة الذاتية وصناعة الروبوتات، وكانت في الجانب الأكبر منها وسيلة لتعلم كيفية بناء الآلات وأي نوع من أنواع المعدات. ولأن والدي كان أيضاً مهندساً في التكنولوجيا الدقيقة، لم يكن من المفاجئ أن أختار هذا المسار. بينما كانت والدتي تدرّس الرياضيات؛ ولذا لم تكن دراسة العلوم بالنسبة إليّ خياراً غريباً.

وبينما كان ريمي يدرس التكنولوجيا الدقيقة في جامعة العلوم التطبيقية في لو لوكل؛ اكتشف صناعة الساعات.. يقول: ما أحبه حقاً في صناعة الساعات هو أنها تجمع بين المنهج العلمي في دراسة الهندسة، والرياضيات، والإبداع الفني. حيث لا تتعلق الساعة الميكانيكية اليوم بالوظائف فقط، ولكن أيضاً بالجماليات، فالكثير من الجهد والطاقة يوجه إلى الشكل والجماليات وتوازن الحركة. أنا أحب هذا الجانب من صناعة الساعات؛ إذ إنه شيء غير موجود عند تصميم الآلات.

إتقان التعقيدات في كارتييه

بعد تخرحه في كلية هندسة لو لوكل، بدأ ريمي العمل في مصنع كارتييه في نوشاتال في العام 2007. في ذلك الوقت كانت كارتييه قد بدأت تكوين فريق تطوير آليات الحركة الخاص بها، وبدأت تصميم وتصنيع ساعات وحركات معقدة، مختومة بختم جنيـڤ. لقد استمتعتُ حقاً بالعمل كمهندس تصميم في قسم منظومات الحركة.

يضيف: كنت أعمل مع كارول فوريستييه-كاسابي، التي كانت تترأس قسم آليات الحركة في كارتييه. كانت ترسم مخططاً لفكرة جديدة، ومن ثمّ يقوم فريق من المهندسين – مثلي – بالعمل على تحويل الفكرة إلى واقع. كانت فترة جيدة لأن قسم تطوير الحركات كان قد بدأ العمل للتو، وكان يضم 6-7 أشخاص فقط. وعندما غادرت الشركة بعد ست سنوات، كان يضم أكثر من 150 فرداً، مع فرق تعمل في التطوير والنماذج التجريبية الأولية، بل حتى كان هناك فريق إنتاج صغير جداً مختصاً بصناعة الساعات الفاخرة.

أثناء الفترة التي قضاها في كارتييه، ساعد ريمي في تطوير ساعة كارتييه ميستريوس دوبل توربيون، إضافة إلى تصميم تعقيدات أخرى؛ مثل مكرر الدقائق، والتقويم الدائم، والتوربيون الأوتوماتيكي. بشكل أساسي، أنهيت كليتي وعلى الفور بدأت العمل على ساعات عالية التعقيدات. مشروعي الأول كان ساعة كارتييه ميستريوس دوبل توربيون، وبدأت العمل عليه منذ البداية تقريباً.

كان ريمي أيضاً مدير فنياً للمشروع، وكان على اتصال مع الأقسام الأخرى ومختلف موردي مكونات تصنيع النماذج التجريبية والإنتاج الأولي. وكخبير تقني في تصنيع الحركات، دائماً ما كان يُستشار في تطوير أي حركة خاصة بـكارتييه، حيث كانت خبرته تتمحور حول دراسة وابتكار حركات صغيرة أو ذات شكل معين أو رقيقة جداً، وغيرها الكثير. إحدى منظومات الحركة التي ابتكرتُها لا تزال تُستخدم في ساعة كراش.

تأسيس كرايون

في ذلك الوقت تقريباً بدأ ريمي يحلم بأن يصبح صانع ساعات مستقلاً.. أتذكر أنني تحدثت عن ذلك مع زوجتي، وقررنا أن نهدف إلى تحقيق ذلك في غضون عام. وفي نفس الوقت تقريباً، في كارتييه، عُرض على ريمي خيار إما أن يدير فريقاً أو أن يصبح أكثر خبرة في المجال التقني، فاختار ريمي البقاء كمهندس.

ثم في العام 2013، قمت بتأسيس كرايون Krayon. في اللغة الفرنسية تُكتب كلمة Crayon أولها حرف C، وتعني قلم رصاص، وهذه هي الأداة الأولى التي نستخدمها لتصميم أي إبداع تقني أو فني… فقط قام ريمي بتغيير حرف C إلى حرف K فكانت Krayon. يقول: في البداية كنا نقدم خدمات مثل الاستشارات والتطوير الفني لمنظومة الحركة، وأيضاً تطوير الأفكار والمفاهيم. كانت زوجتي تعمل معي، وقد عملنا مع كلٍّ من المجموعات الفاخرة (الشركات الكبرى) وصانعي الساعات المستقلين.

كانت كرايون تساعد في تصميم آليات الحركة لصالح علامات مستقلة أخرى، وأيضاً في استكشاف الأخطاء وإصلاحها – مثل حل المشاكل التقنية، أو تحسين الوظائف، أو ضمان الموثوقية. تعلمت الكثير أيضاً؛ لأنني كنت أعمل مع مجموعة LVMH، في الوقت الذي كانت شركة تاغ هوير تقوم بصُنع بعض آليات الحركات الرائعة. كان ذلك عندما كان جان-كريستوف بابين يدير تاغ هوير، وكانوا قد أطلقوا حركة ميكروغيردر التي تقيس الزمن بدقة تصل إلى 5 من 10000 جزء من الثانية.

كان ريمي، في تلك المرحلة، لا يزال يعتقد أن دوره سيقتصر على تقديم أفكار جديدة أو تطوير النماذج التجريبية فحسب. لم يخطر على بالي قط ابتكار الساعة الخاصة بي، أو إنشاء العلامة الخاصة بي. كنت أحاول صنع ساعة أوبوس لصالح هاري ونستون، يقول، ولكن للأسف لم يتم اختيار الطرح الذي تقدّم به، ولاحقاً أُلغي المشروع نفسه.. كان الأمر أشبه بالفشل بالنسبة إليّ، وقد واصلت محاولة إيجاد فكرة أو شريك لمزيد من تطوير الأفكار.

إلهام ساعة Everywhere

يوضح ريمي كيف أثارت رحلة لصيد السمك مع زوجته فكرة محاولة ابتكار ساعة Everywhere، التي من المفترض أن توفر حساباً ميكانيكياً عالمياً (على مستوى العالم) لتوقيتي شروق وغروب الشمس. يقول: كان ذلك منذ حوالي 14 عاماً، وقد استمتعنا كلانا بالغطس. وأفضل وقت للغطس هو لحظة شروق الشمس بالضبط؛ لأنه في هذه اللحظة يمكننا رؤية مجموعات الأسماك – الأسماك النهارية، إضافة إلى الأنواع التي تنشط ليلاً. كان ذلك بينما كنا في عطلة في إسبانيا، وكنت قد دعوت زوجتي للذهاب إلى الغطس معي في صباح اليوم التالي.

كان عليهما الاستيقاظ مبكراً جداً لكي يصلا إلى المكان المقصود، وتجهيز المعدات المطلوبة، من دون تفويت تلك اللحظات القليلة – قبل شروق الشمس وبعده. يتذكر ريمي: كنا قد بكرنا بعض الشيء بالذهاب، وكنا ننتظر شروق الشمس فوق البحر. في ذلك الوقت، راودتنا فكرة أنه سيكون من المفيد حقاً لو أن لدينا ساعة ميكانيكية يمكنها أن تزوّدنا بهذه المعلومات – ليس فقط في مدينتنا التي نعيش فيها، بل في كل مكان يمكننا السفر إليه.

قام ريمي بتجريب هذا المفهوم لبضع سنوات، لكن نشأ عنه عدد من التحديات التقنية. فالعديد من المتغيّرات – بما في ذلك خطوط العرض وخطوط الطول والمنطقة الزمنية – يجب إدخالها في حساب توقيتي شروق وغروب الشمس، في جميع المواقع بدلاً من مواقع واحد معين. قررت التعامل مع المشكلة خطوة خطوة. ما هي المتغيرات التي أحتاج إلى إدخالها؟ وكيف يمكنني القيام بذلك بحيث تكون متغيرات عالمية؟ وعندما وجدت المبدأ الميكانيكي للتمكن من تحقيق ذلك، كان ذلك هو الوقت الذي أصبحت فيه على استعداد لمواجهة التحدي المتمثل في ابتكار ساعة تتضمن هذه الآلية. أيضاً كان لدينا بالفعل زبون على استعداد لمتابعة مغامرتنا تلك، واقتناء القطعة الأولى.

تحديات ومكافآت

من الواضح أن التحديات التي واجهها ريمي كانت هائلة.. كانت الخطوة الأولى هي فهم وتفكيك تأثير كل متغيّر، ثم إيجاد المبدأ الميكانيكي الرئيسي الذي من شأنه معالجة المشكلة. لقد استخدمتُ السلاسل التفاضلية لإضافة المتغيرات والمخرجات المختلفة، مع المنتج النهائي الذي من المفترض أن يكون مزيجاً منها جميعاً. كانت الصعوبة تكمن في كيفية عرض السلاسل التفاضلية لخطوط العرض وخطوط الطول المحددة في الوقت الحالي، ومن ثمّ ابتكار محدد وظيفي يسمح للمستخدم باختيار وضبط كل متغيّر من المتغيرات. وفي جوهرها؛ أي من حيث الأساس، فإن الآلية ليست شديدة التعقيد، ولكن إذا أضفنا كل شيء نحتاج إليه فستصبح عندئذ معقدة للغاية.كان هناك تحدٍ آخر، هو أنني أردت أن تتمتع الساعة بأبعاد معقولة؛ وقد كان تحدياً حقيقياً ابتكارُ ميناء سهل القراءة بوضوح، ويمكنه احتواء المكونات الـ595 للحركة ضمن مساحة صغيرة جداً. يبلغ قطر حركة ساعة Everywhere 35.40 مم وسمكها 6.50 مم فقط، ولجعل جميع المكونات تحتويها هذه المساحة الصغيرة جداً، كان على ريمي تقديم بعض التنازلات. كان التركيز في ساعة Everywhere أكثر على الجوانب الهندسية، وبصورة أقل على تشطيبات الحركة. كما كان هناك تحدٍ آخر، هو أنه لكي تكون الساعة فعّالة، يتعين أن يتم ضبط جميع المتغيرات بشكل صحيح، وإلا فإن التوقيتات المتوقعة لن تكون دقيقة.

مع إطلاق ساعة Everywhere، بدأت كرايون تُعرف كعلامة للساعات، وفي ذلك الوقت كان على ريمي أن يتخذ قراراً بشأن تسمية علامته؛ يقول: أدركت أن قلم الرصاص الملون – كعنصر أساسي يُستخدم في بداية ابتكار أي إبداع فني وتقني – هو أيضاً عنصر رئيسي في ساعة كرايون، وسيتوافق تماماً مع هوية وروح الساعات التي أرغب في ابتكارها.

بينما اتخذ ريمي قراره في ما يخص التصميم الخارجي للميناء والمؤشرات التي تعلوه لساعة Everywhere، فقد قام بالاستعانة باستشاريين خارجيين في تصميم الساعات من أجل تطوير ساعة Everywhere. يقول: نظراً إلى أن ساعة Everywhere كانت أولى ساعاتي، كان عليّ ابتكار كل شيء من الصفر. لم أخاطر كثيراً في ما يتعلق بتصميم الساعة، فقد أردت شيئاً أنيقاً غير محدود بزمن، وغير مبالغ فيه؛ شيئاً من شأنه أن يرضي الجميع. شاركت في منافسات مسابقة جائزة جنيڤ الكبرى لصناعة الساعات الراقية GPHG للعام 2018، وحصلت على جائزة الابتكار. وبالنسبة إليّ، كان ذلك أفضل تقدير لعملي يمكن أن أحصل عليه.

بحلول ذلك الوقت، وعلى الرغم من أن ساعة Everywhere قد فازت بجائزة مسابقة GPHG، لم يكن الكثيرون قد شاهدوا الساعة الفعلية. فقد كان ريمي يقوم بتصميم كل ساعة من ساعات Everywhere بشكل مخصص، لكل عميل من عملائه، وكان الأمر يستغرق حوالي العام لابتكار كل قطعة مفصّلة خصيصاً. كان ريمي قد قدّم ساعته الأولى في العام 2017، وفاز بجائزة مسابقة GPHG في العام 2018. سلطت مسابقة GPHG الضوء على ساعة Everywhere. ولقد كان ذلك إنجازاً مهماً، ولكنه أيضاً دفعني إلى التركيز على الجوانب الأخرى من الساعة. كنت قد تلقيت تعليقات من زبائني بخصوص Everywhere، ولذا واصلت تعلّم ما هو مهم وكيف أحقق التوازن.

بعد Everywhere.. Anywhere

بعد ذلك قررت ابتكار ساعة Anywhere، والتي تستند إلى جوهر آلية ساعة Everywhere. وقد أدركت حينها أنه إضافة إلى آليات الساعة، يجب أيضاً أن تكون سهلة القراءة، وعملها سهل الفهم، وسهلة الضبط والتعديل. كان يجب أن تكون ساعة مريحة للارتداء. بالنسبة إلى المستخدم؛ فإن الشعور بالساعة، وتعبئتها، واستخدام وظائفها – كل ذلك يخلق إحساساً بالارتباط بالساعة، وكانت تلك إحدى النقاط التي يجب التركيز عليها عند ابتكار ساعة.

أراد ريمي أن يجعل من Anywhere ساعة أسهل استخداماً. فعلى الرغم من أنها قد احتفظت بمعظم وظائف ساعة Everywhere، إلا أن ساعة Anywhere أكثر سهولة من حيث الاستخدام. هي أسهل قراءة، كما تتميز بعلبة أصغر حجماً. الحركة مرئية بالكامل في ساعة Anywhere، وقد استطعتُ التركيز بشكل أكبر على التشطيبات. فقد أمكنني تضمين الحركة جواهر أكبر حجماً، وعدادات أكبر حجماً، وشطبات أكبر مساحة؛ في ساعة Anywhere، استطعت استخدام الحركة كقماشة للتشطيبات الراقية.

كانت التشطيب الراقي مهارة جديدة أتقنها ريمي؛ إذ لم يكن شيئاً اختبره في عمله السابق في الشركات الكبيرة، حيث كان التصنيع بالآلات هو القاعدة السائدة. كل ما قمت بابتكاره صُنع يدوياً، لذا كانت التشطيبات الراقية لازمة. تعلمت أولاً تقنيات عمل هذه التشطيبات، ثم كان عليّ بعد ذلك أن أعلمها لفريقي.

استغرق الأمر من ريمي وقتاً أطول كثيراً لاتخاذ القرار بشأن تصميم العلبة، والميناء، والعقارب، والمؤشرات، والألوان المختلفة التي أراد استخدامها في ساعة Anywhere، مقارنة بالتطوير التقني لآلية الحركة. غالباً ما يستوحي ريمي الألوان المستخدمة في ساعاته من اللوحات الفنية، وبالنسبة إلى ساعة Anywhere كان استخدام ريمي درجات اللون الأزرق بتأثير من لوحة فنية شاهدها في متحف كونست في مدينة بازل السويسرية.

نمو هائل

عندما أُطلقت ساعة Anywhere في العام 2020، كانت شركة كرايون تتألف من ثلاثة أشخاص فقط: ريمي وزوجته وصانع للساعات؛ يعملون من المنزل. ومنذ ذلك الحين، حظي ريمي بتعليقات وردود أفعال رائعة من زبائنه، ومن السوق، لا سيما في ما يخص موديل Anywhere، وقد ساهم ذلك في نمو العلامة بشكل هائل. يقول: في السنوات الثلاث الماضية، تطوّرنا كثيراً.. فقد انتقلنا إلى موقع جديد، واليوم نحن في ورشة تصنيعنا عبارة عن فريق مكون من 10 أفراد، كما قمنا بتطوير شبكة من وكلاء التوزيع في جميع أنحاء العالم. كرايون الآن بالفعل علامة للساعات، وفي العام 2023 أنتجنا 50 ساعة. وقد تقدّمنا بساعة Anywhere للمشاركة في مسابقة GPHG للعام 2022، حيث فازت بجائزة فئة أفضل ساعة تقويم وساعة فلكية – لتكون الجائزة الثانية على التوالي التي تحصل عليها كرايون من مسابقة GPHG.

يعمل ريمي الآن على حركته وتعقيدته التاليتين، اللتين ستستحضران هوية كرايون، ربما أكثر من ساعة Anywhere.

إبداعات كرايون متوافرة في المنطقة لدى پرپتويل على الموقع الإلكتروني:  perpetuel.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى