لقاءات

سيمون بريت.. تكريم عاطفة الأبوة

في هذه السلسلة المستمرة من المقالات، التي تُنشر شهرياً، تركز داي آند نايت على الأفراد الذين كان لهم أكبر الأثر في عالم صناعة الساعات الراقية… وهذا الشهر، ينصب تركيزنا على سيمون بريت، الذي تُعبّر أولى الساعات التي قام بإطلاقها؛ وهي ساعة كرونوميتر آرتيزان Chronomètre Artisans، عن احتفاله بفرحة شخصية؛ هي فرحته بأن أصبح أباً.

سيمون بريت اسم جديد تردد في دوائر صناعة الساعات الراقية في العام الماضي، وكذلك إطلاقه الأول؛ ساعة Chronomètre Artisans. أزاح سيمون الستار عن هذه الساعة لأول مرة في أبريل الماضي، لتحصل على ختم اعتماد رسمي عندما فازت بـ جائزة الكشف الساعاتي ، في نسخة العام 2023 من مسابقة جائزة جنيڤ الكبرى لصناعة الساعات الراقية GPHG. في الأسطر التالية تستعيد مجلة داي آند نايت مع سيمون بريت التأثيرات والعلاقات التي شكلت أعماله.

الشغف والجذور الفرنسية

وُلد سيمون ونشأ في منطقة أوڨيرني، في وسط فرنسا، ودرس التصميم الميكانيكي، ثم انضم إلى فرع شركة ميشلان لتصنيع إطارات السيارات في مسقط رأسه، وكانت تلك هي وظيفته الأولى. يقول: عندما حان وقت البدء في البحث عن عمل، كان الأمر صعباً بعض الشيء لأن ذلك كان خلال الأزمة المالية في العام 2008. لم يكن هناك الكثير من الوظائف المتاحة، وكان أمراً شديد الصعوبة العثور على عمل .

لكن لم يمض وقت طويل قبل أن يغادر سيمون شركة ميشلان ، بعد أن قرر أن يتبع شغفه وحلمه بالعمل في صناعة الساعات . ولقد كان واقع الشركة المتمثل في أن الميزانية تتفوق دائماً على الخبرة، هو ما أرغمه على ترك وظيفة جيدة الأجر، ومن ثم وضْعه على طريق صناعة الساعات. يقول: عندما بدأت العمل في ميشلان ، كُلّفت بالعمل على مشروع لابتكار آلة خاصة لتصنيع العجلات. في البداية كانت مهمتنا هي صُنع آلة من المفترض أن تكون رائعة، ولكن في النهاية، وبسبب قيود الميزانية، كان تركيزنا أكثر على التكلفة بدلاً من الجودة. كنت حزيناً جداً في نهاية فترة عملي هناك؛ لأنني أدركت أنني لم أستمتع بها حقاً. وإذا كنت قد أردت حقاً أن أستمتع بعملي، فقد كان عليّ أن أعمل في ما أحب – صناعة الساعات – وقد قمت بإرسال رسائل بالبريد الإلكتروني إلى العديد من شركات الساعات الكبيرة؛ مثل رولكس و باتيك فيليب و جيجر-لوكولتر .

عقبات وحلول

المشكلة كانت أن سيمون لم يكن لديه أي خبرة على الإطلاق، كما أن رؤيته المتعلقة بصناعة الساعات كانت بعيدة جداً عن الواقع؛ كانت معرفتي بالساعات مقتصرة على حقيقة أنني أحببت ساعات فيستينا Festina التي تتميز بأقراص موانئها الزرقاء. كان كل ما لديّ أنني أُغرمت بفكرة صناعة الساعات، ففي نهاية كل عام، كنت أقوم بجمع الأموال الخاصة بهدايا الكريسماس ، ومن ثم الذهاب إلى المتجر وشراء ساعات . وقد أوضحت شركات الساعات التي راسلها بالبريد الإلكتروني، أنه سيحتاج إلى دراسة صناعة الساعات إذا كان جاداً في رغبته في العمل في هذه الصناعة. يقول: وهكذا، إذا كنت بالفعل أرغب في المضي قدماً في هذا الأمر، فإنه كان عليّ أن أختار ترك والديّ وعائلتي وأصدقائي لدراسة صناعة الساعات . لم يكن سيمون حينها متزوجاً، ولذا كان من السهل عليه اتخاذ القرار. انضم إلى مدرسة Haute Ecole Arc Ingénierie العليا في لو لوكل، ليتعلم صناعة الساعات، حيث تخرج بعد عامين.

ملاعب التدريب على صناعة الساعات الفاخرة

كرونود

كانت أول مهمة قام بها سيمون في صناعة الساعات مع جان-فرنسوا موجون، الذي تأسست شركته كرونود لتصميم وتطوير آليات الحركة في العام 2001. يقول سيمون: استمتعت بالعمل معه لأنه مهندس عبقري، وتعلمت منه الكثير عن آليات الحركة. وقد قمت بتطوير العديد من التعقيدات ومنظومات الحركة لصالح شركته، وخلال هذه العملية تعلمت الكثير . وبعد ثلاث سنوات من عمله معه، أوضح موجون لسيمون أنه يريده أن يعمل مع قسم البحث والتطوير الجديد في الشركة.

يضيف: كانت وظيفتي هي فهم مشاكل جميع العاملين في الشركة، وتطوير الأدوات التي من شأنها أن تجعل أداءهم لأعمالهم أكثر سهولة. كان الأمر مثيراً جداً للاهتمام؛ لأنه عندما تدرس لتصبح مهندساً، فأنت لا تجلس فعلياً على دكة العمل، فأنت لا تشعر بذلك فعلياً ولا تفكر في القيود. تظن أنك مبدع للغاية عندما تقوم بتصميم شيء ما، ولكن عليك أن تهتم بكيفية تجميعه، وكيفية جعل الأمر أكثر سهولة بالنسبة إلى صانع الساعات. هذا ليس شيئاً تتعلمه في المدرسة، ولكنك تواجهه عندما تدخل فعلياً إلى هذه الصناعة. فأنت تقوم بتصميم شيء ما، ثم يخبرك صانع الساعات بأنه لا يستطيع ربطه بالبراغي لأن مفك البراغي الخاص به لا يمكنه الوصول إليه. فأنا أهتم حقاً بصانعي الساعات؛ لأنهم هم الأشخاص الذين بمثابة يديّ، ودائماً أقضي الكثير من الوقت معهم حيث أتعلم الكثير منهم. وقد كان هذا هو السبب الذي جعل جان-فرنسوا يطلب مني تطوير القسم الجديد .

مانوفاكتور كونتمبورين دو تان  (MCT)

عمل سيمون مع جان-فرنسوا موجون لمدة خمس سنوات. بعد ذلك، انتقل إلى شركة إم سي تي – مانوفاكتور للعمل مع بيير جاك ودينيه جيغيه. في البداية عندما ذهب لمقابلتهما؛ قالا لي إننا نعرف من أنت، وعلى علم بالعمل الذي كنت تقوم به. وقالا نحن نعلم أنك موهوب، ولكن لدينا تحدٍ لك.. فنحن يتعين علينا تطوير ساعة للاحتفال بالذكرى العاشرة لتأسيس العلامة، وسيكون لديك عام واحد لتصور فكرة جديدة، وتصميمها، وصنع النموذج الأولي لها. كان ذلك تحدياً كبيراً، وقد أحببته. وقد بدأت العمل في إم سي تي في العام 2016، وفي العام 2017 أطلقنا أول نموذج أولي لساعة دوديكال وَن دي 110 وذلك في معرض بازل وورلد .

قمت بتصور تصميم هذه الساعة لتكون ذات مؤشر رقمي كبير في المنتصف يشير إلى الساعات، مع عقرب دقائق مركزي. يققز مؤشر الساعات إلى الرقم التالي عندما يُكمل عقرب الدقائق دورته (60 دقيقة). وقد حققت الساعة نجاحاً كبيراً لدى إطلاقها أثناء معرض بازل وورلد ، لكن بعد ذلك، وتحديداً بعد شهرين، انسحب المستثمرون وانهارت الشركة.. كان ذلك أمراً محبطاً للغاية بالنسبة إلي، ولكن هكذا هي الحياة. ففي مناسبة يوم ميلادي الثلاثين علمت أنني فقدت وظيفتي! .

إم بي آند إف

عرض دينيه جيغيه على سيمون أن يتكلم عنه مع صديق له في إم بي آند إف ، وبالفعل دُعي سيمون إلى اجتماع مع سيرج كريكنوف، الذي كان يرأس مصنع إم بي آند إف في جنيڤ. كان كريكنوف سعيداً بلقاء سيمون، ولكنه أوضح أنه ليس لديه عرض يقدمه له. يقول سيمون: ذهبت إلى الاجتماع، وتحدثنا لمدة 2-3 ساعات ربما. وبعد ثلاثة أسابيع من ذلك اللقاء، اتصل بي ودعاني للقائه مرة ثانية. وفي تلك المرة عرض عليّ وظيفة، وظللت أعمل معهم لمدة 3.5 سنوات، وخلال تلك الفترة، عملت على تصميم العلبة لكل من آلتي قياس الزمن إتش إم 9 – سافير ڨيجن ، و إتش إم 10 – بولدوغ . أما بالنسبة إلى ساعة إل إم إكس ، فقد قمت بابتكار الحركة بالكامل، حيث كانت حركة إل إم إكس هي أولى الحركات التي يتم تطويرها من الصفر داخل إم بي آند إف . وقد تعلمت الكثير من خلال عملي مع إم بي آند إف ، وبالفعل كانت فرصة رائعة .

العمل مستقلاً

بعد ثلاث سنوات ونصف السنة من العمل في إم بي آند إف ، بدأت جائحة كوڨيد واضُطر سيمون إلى العمل من المنزل.. يقول: كنت متردداً بعض الشيء بشأن العمل من المنزل؛ لأنني افترضت أنني لن أكون فعّالاً، إلا أن الأمر لم يكن كذلك. فقد كان أمراً رائعاً وجودي في المنزل، حيث عملت كثيراً . ويصف سيمون تجربة العمل من المنزل بأنها تجربة رائعة كانت هي المسؤولة عن غرس بذور التغيير في ذهني. فقد أدركت أنه ربما قد حان الوقت بالنسبة إليّ للتوقف عن العمل لصالح الآخرين، وبدء تأسيس شركتي الخاصة . كانت الفكرة حينها هي العودة إلى فرنسا، وهكذا فمع نهاية الجائحة غادر سيمون بعد أن شرح خططه المستقبلية لماكسيمليان بوسير؛ مؤسس إم بي آند إف .

وفي نفس تلك الفترة تقريباً، تغيرت الظروف بالنسبة إلى سيمون، فقد علم أنه وزوجته ينتظران مولوداً. وقد توقف هو عن العمل لصالح إم بي آند إف في شهر أبريل من العام 2021، وأسس شركته الخاصة، وعمل على تلبية الطلبات التي جاءته من علامات الساعات الأخرى. وبحلول موعد ولادة ابنته، كان سيمون قد ساعد العديد من الشركات في تطوير التعقيدات الساعاتية وآليات الحركة الخاصة بهم.

الاحتفال بالأبوة

أراد سيمون أن يأخذ فترة راحة لبعض الوقت لمساعدة زوجته في الاعتناء بابنته، ولذا أخبر زبائنه أنه لن يعمل خلال الشهرين المقبلين. يقول: وهكذا، فأثناء ذينكم الشهرين اللذين توقفت فيهما عن العمل، كان لديّ فعلياً الكثير من وقت الفراغ؛ حيث إن زوجتي امرأة رائعة وأم أكثر روعة. فبدأت تصميم ساعة للاحتفال بتلك اللحظة شديدة الخصوصية في حياتي؛ أي عندما أصبحت أباً؛ لأن تصميم الساعات هو الشيء الوحيد الذي أجيد فعله للاحتفال بتلك اللحظة. بعد أن أصبحت أباً ترافقت مع ذلك تغييرات كبيرة في حياتي، فأردت أن أصنع شيئاً يذكّرني بهذه اللحظة الخاصة، وكان ذلك عندما بدأت العمل على هذه الساعة، وقد فكرت في أنني سأقوم بتصميم الساعة التي أود ارتداءها يوماً ما – من دون أية تنازلات وبأفضل التشطيبات. وأنا أهتم حقاً بالساعات القابلة للارتداء، لذا صُمّمت هذه الساعة بقطر يبلغ 39مم وبسماكة تبلغ 10مم، وأردت أن يتضمن التصميم شيئاً أكثر تطوراً؛ وكان ذلك هو الميناء المصنوع من السافير. كان يجب أن تكون هذه الساعة كرونوميتر بتشطيبات جميلة، وقد صممت الحركة بحيث تتمتع بطاقة احتياطية تبلغ ثلاثة أيام، لأن هذا ما يبدو منطقي بالنسبة إليّ..فإذا قمت بخلع ساعتك يوم الجمعة ليلاً، فعندما ترتديها مرة أخرى يوم الاثنين، ينبغي أن تكون لا تزال تعمل. كان لديّ جميع المتطلبات اللازمة، وكانت النتيجة النهائية بعد ذينكم الشهرين هي هذه الساعة – أو شيء قريب من ذلك .

كرونوميتر آرتيزان

بذلك تكوّنت لدى سيمون فكرة تصميم الساعة، لكن لم يكن لديه المال للمضي قدماً في التنفيذ. وجاءه الإلهام بأن يقوم بعرض الساعة على أصدقائه – الذين صادف أيضاً أنهم كانوا من كبار جامعي الساعات – على إنستغرام . يقول: ثلاثة أو أربعة من هؤلاء الأصدقاء كان ردهم: إذا كنت تريد بدء علامة الساعات الخاصة بك، فنحن هنا لدعمك. نحن نثق بك ويمكننا دفع ثمن الساعة مقدماً . وهكذا، كان لدي بضعة أفراد من جامعي الساعات الذين أسعدهم دعمي ومساعدتي، لكن كان عليّ العثور على بضعة أشخاص آخرين لمساعدتي، حتى أتمكن من دفع ثمن جميع المكونات اللازمة لصُنع الساعة. وكل ما فعلته هو أنني تصفحت موقع إنستغرام مرة أخرى، واخترت أولئك الأشخاص – وهم من هواة الجمع الذين من شأنهم أن يكونوا زبائن مثاليين وسفراء لي في المستقبل .

تمكن سيمون من العثور على 12 من عشاق الساعات، الذين كانوا على استعداد لدعمه، وبذلك كان لديه ما يكفي من المال ليبدأ. وكونه ابناً لنجار، فإن سيمون شغوف بالبراعة الحرفية، ومهتم برعاية الحرفيين المستقلين. أعرف العديد من الصنايعية (الحرفيين) الذين التقيتهم خلال مسيرتي المهنية التي تبلغ 12 عاماً، وقد تواصلت معهم وسألتهم: هل تريدون العمل معي؟، فأنا أريد أن أكون شديد الوضوح في ما يخص من يعمل على ساعاتي؛ إذ إنني حقاً أهتم بالبراعة الحرفية، وأرغب في اختيار أفضل فريق من الحرفيين للعمل على ساعاتي . وأوضحت لهم أنني سأعمل معهم، لكنني أردت أن أكون واضحاً وعادلاً وشفافاً مع زبائني، فهؤلاء كان يجب أن يعرفوا من شارك في صنع هذه الساعة، وما الذي كان كل شخص من المشاركين قادراً على فعله. وهذا هو سبب تسمية هذه الساعة باسم Chronomètre Artisans كرونوميتر آرتيزان – ليكون الاسم تكريماً لأولئك الحرفيين وكمساعدة لهم .

كان أول إصدار من إصدارات الاشتراكات سوسكريبسيون إيديشن Souscription Edition؛ مؤلفاً من 12 قطعة، مع علبة من الزركونيوم. وبعد فترة وجيزة تَبِعَتْ هذا الإصدار نسخةٌ علبتُها مصنوعة من التيتانيوم، ثم ثلاث نسخ مختلفة أُطلقت لاحقاً. يقول: آمل أن أصنع 100 قطعة لجميع الإصدارات المختلفة مجتمعة، لكنني أعلم أنه من المرجح أن يكون العدد أقل من ذلك. وهذا العدد ليس كبيراً، ولكن التصنيع يستغرق وقتاً طويلاً. وفي هذا العام والعام الذي يليه، سننتج 12 قطعة سنوياً، أي بمعدل ساعة واحدة شهرياً؛ لأن تصنيع ساعة واحدة يتطلب الكثير من العمل، ونحن نريد صُنع الأفضل. وسنضيف 12 قطعة أخرى كل عام.. وأنا لا أريد صُنع الكثير من القطع؛ لأنه عندما تنتج الكثير من الساعات تنخفض الجودة. فأنا راضٍ عن صُنع عدد أقل من الساعات ما دمنا محافظين على الجودة، وما دام زبائننا سعداء بالنتائج. وأنا لا أرغب في التنازل؛ فالجودة يجب أن تكون الأفضل، وهذا هو ما سيكون عليه مستقبل العلامة .

إبداعات سيمون بريت متوافرة في المنطقة لدى پرپتويل على الموقع الإلكتروني:  https://perpetuel.com/

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى