لقاءات

”فِرديناند بيرتو“… مغامرة إبداعية كبرى

مستلهماً الإبداعات الرائعة التي قام بها العبقري فرديناند بيرتو، صانع الساعات الرئيسي في البلاط الملكي الفرنسي والقوات البحرية الفرنسية، وصاحب الرؤية الملهمة في صناعة الساعات في القرن الثامن عشر؛ قرر كارل-فريدريك شويفلي في العام 2015 إحياء اسم وأفكار صانع الساعات العظيم هذا. وبعد عام واحد فقط، فاز الإصدار الأول للعلامة ساعة “كرونوميتري فرديناند بيرتو إف بي 1” بأرفع وسام في صناعة الساعات؛ جائزة مسابقة “جائزة جنيڤ الكبرى لصناعة الساعات” GPHG. وعقب تلك الساعة أصدرت العلامة ساعة “إف بي 1آر”، ولاحقاً ساعة “إف بي 1إل”.

التقينا كارل-فريدريك شويفلي، الرئيس التنفيذي للماركة، فكان هذا الحوار الذي نعرضه في الأسطر التالية.

كيف نشأت فكرة إطلاق علامة وإحياء اسم فرديناند بيرتو؟

كان ذلك في وقت ما بعد إنشاء مصنعنا في فلورييه، حيث ضمنتُ المصنع متحفاً يستند في محتوياته على محتويات متحف العائلة الذي يضم ساعات الطاولة واليد، النادرة، التي نمتلكها. وقد قمت بتوسعة ذلك المتحف على مدار السنوات، حيث لدينا أقسام مختلفة ضمن هذا المتحف؛ وقد تم تخصيص أحد الأقسام لأجهزة الكرونوميتر الدقيقة، والكرونوميترات البحرية، وساعات الطاولة وساعات الجيب. وأنا مولع جداً بهذا القسم؛ لأن كل ساعة من ساعات “إل يو سي” حاصلة على اعتماد شهادة الكرونوميتر، وكنت أحضر الكثير من المزادات وأحاول إكمال مجموعة المتحف، ثم صادفت في إحدى المرات ذلك الكرونوميتر الجميل من إبداع فرديناند بيرتو. وعرفت بعدها أنه وُلد في قرية قريبة من فلورييه، حيث يقع منزله على بُعد خمس دقائق من مصنعنا هناك.

بعد ذلك علمت أن هناك صورة شخصية له في القرية المجاورة، وأنه شخصية جديرة بالاهتمام؛ فقد ترك قريته في سن مبكرة جداً، وذهب إلى باريس وأصبح إنساناً ناجحاً. ويمكننا اليوم القول إنه قد صنع لنفسه مسيرة مهنية هائلة؛ فقد أصبح صانع الساعات الخاص لملك فرنسا، وصانع ساعات البحرية الفرنسية، وكتب الكثير من الكتب التي تضم آلاف الصفحات ليشارك الآخرين معرفته وخبرته في هذه الصناعة. وقد فكرت أنه سيكون من المثير للاهتمام إذا استطعت الإشادة والاحتفاء بهذا الاسم الشهير، وإحياء اسمه من خلال صناعة ساعة يد حديثة. ثم قمت بإجراء بحث واستقصاء لمدة 3-4 أعوام، انتهى بشراء الاسم في العام 2006.

هل كان من الصعب بالنسبة إليك العثور على معلومات عن فرديناند بيرتو؟

ليس فعلاً، فقد انتهينا إلى الحصول على عدد آخر من الساعات، كان يمكنك رؤيتها في جناح العلامة في “معرض بازل العالمي للساعات والمجوهرات”. وفي الآونة الأخيرة، وجدنا ساعة “مارين كرونوميتر رقم 30” المذهلة، والتي تتمتع بتاريخ هائل، والتي جاءت بعلبتها الخشبية الأصلية.

وأين وجدت تلك الساعة؟

وجدتها في مزاد آخر في نيويورك. والشخص الذي كان في الأصل يملك الاسم، لم يكن متأكداً مما يريد فعله؛ فقد اعتقد أنه من الممكن أن يقوم بتصنيع ساعة مستخدماً حركة ETA، لكنني اعتقدت أن ذلك لن يكون حقاً الأمر الصحيح الذي تفعله عندما تملك اسم “فرديناند بيرتو”. وهكذا، أقنعته ببيعي حقوق الاسم، ومن ثم تركته دون استخدام بعض الوقت لأنني لم أكن أعرف كيف أتعامل مع هذا المشروع. وببطء ولكن بثبات، قمت بتجميع المزيد والمزيد من المعلومات، وكونت فريق عمل صغيراً للمشروع. وقد قررنا تحديد الشكل الذي يجب أن تكون عليه ساعة يد “فرديناند بيرتو”.

بما أنك بالفعل رجل كثير المشاغل، ماذا كان رد فعل عائلتك عندما أخبرتهم أنك تخطط لإطلاق علامة “فرديناند بيرتو”؟

احتاج إطلاق العلامة إلى كثير من العمل، لكنني لم أفكر في قدر العمل، حيث كنت متحمساً للمشروع ولم أهتم كثيراً بعبء العمل الإضافي. كان الأمر مثيراً جداً، وقد قررنا القيام به فحسب. وبالطبع فقد سألوا عن مقدار الوقت الذي سيستغرقه كل هذا الأمر، لكنني أكدت لهم أنه مشروع صغير، وأننا سنقوم بتصنيع بضع ساعات فقط في السنة، وأن تلك ستكون علامة متخصصة. وفي العام 2015، كنا جاهزين لإطلاق الساعة الأولى؛ “إف بي1″، وكانت الفكرة الأساسية هي أننا أخذنا حركة ساعة “مارين كرونوميتر”، مع تنظيم نقل الحركة المكون من بكرة مخروطية وسلسلة، وجعلها مقترنة بآلية توربيون، وتصغيرها إلى حد كبير، وهكذا يمكن ارتداء الساعة بالفعل فوق المعصم. ويبدو هذا أمراً سهلاً، ولكنه في الحقيقة لم يكن كذلك.

ومن أين جاءتك فكرة تصنيع علبة مختلفة جداً؟

كانت الفكرة هي أنه سيكون لدينا علبة داخلية، أنبوبية نوعاً ما، ومحمية بواسطة شيء آخر في الخارج، والذي قد يكون العلبة الخشبية التي تحيط بالكرونوميتر. وقد أردنا تنفيذ هذا التصور في الساعة، ولهذا كانت لدينا الأنبوبة المستديرة وأجزاء الحماية المثبتة فوقها، وتم تثبيتهما معاً ببراغ فوق العروات. والشيء الجميل هو أنه رغم أن الساعة ليست ساعة صغيرة الحجم، إلا أنه يمكن ارتداؤها بسهولة فوق معصم صغير نسبياً لأنها تستقر فوق المعصم بشكل ممتاز. وبالفعل فقد فكرنا في كل تفصيلة طوال عملية التصنيع، وهذا ما سمح لنا بإنشاء فتحات تتيح لك النظر إلى داخل الساعة؛ حيث يمكنك رؤية عمل البكرة المخروطية، ويمكن القول إن هذه الساعة مشروع شامل حيث كل تفصيلة ذات معنى ودلالة محددة.

بخلاف العلامات الأخرى، ليس السعر هو الأولوية على الإطلاق في “فرديناند بيرتو”، وإنما التركيز يكون أكثر على ما إذا كان المنتج في صورته النهائية يرضيك شخصياً أو لا؛ هل يمكنك التعليق على هذا الأمر؟

لم نقرر أبداً أننا سنصل إلى هذا السعر نتيجة حركة التسويق؛ بل قررنا أننا سنبذل قصارى جهدنا، وأن نهتم بأمر السعر لاحقاً.

هل كان أعضاء الفريق غير مرتاحين كونهم لم يعملوا بهذه الطريقة من قبل؟

نعم، لكن إذا وصلت إلى هذا المستوى في صناعة الساعات، وبمثل هذا التشطيب ومهارات صناعة الساعات تلك، وإذا كان يمكنك تصميم حركة مثل هذه؛ فعندها لا يجب أن تقلق بشأن الحد من تشطيباتك، فقط لتتأكد من أنك ستصل إلى معدل سعر محدد؛ لأنك عندئذ لا يجب أن تقوم بتصنيع ساعة “فرديناند بيرتو”، بل يجب عليك أن تقوم بتصنيع شيء آخر. فساعة “إف بي1” تتألف من 1115 جزءاً، والقيام بتنفيذ التشطيبات على الكثير جداً من هذه الأجزاء، يعد وحده عملاً هائلاً بالنسبة إلى ساعة يد.

كيف كان شعورك عندما فزت بجائزة مسابقة “جائزة جنيڤ الكبرى لصناعة الساعات” عن ساعة “إف بي1 كرونوميتر” في العام 2016؟

لم يكن ذلك متوقعاً بالمرة؛ لأننا كنا قد قمنا بتسليم ربما ساعتين أو ثلاث بحلول ذلك الوقت، وكان ذلك الأمر المناسب في البداية بالنسبة إلى علامتنا. وقد شاركنا بالساعة في مسابقة “جائزة جنيڤ الكبرى لصناعة الساعات”؛ لأنها ساعة جميلة للغاية، ولأنني اعتقدت أنه قد تكون لدينا فرصة للفوز في تلك الفئة – “أفضل ساعة ميكانيكية استثنائية” – التي شاركنا فيها. لكنني لم أعتقد أبداً أننا قد نفوز بجائزة “العقرب الذهبي”؛ أي “الجائزة الكبرى” نفسها، وبالتأكيد كنت حينها أشعر وكأنني فوق القمر، وكنت عاجزاً عن الكلام تماماً من السعادة.

يتميز مستوى التشطيب في ساعة “فرديناند بيرتو” بأنه استثنائي، ما تعليقك على هذا؟

أتفق معك، لم أكن مدركاً أن كثيراً جداً من الأشخاص يعرفون عن هذا الأمر، لكنني كنت سعيداً للغاية أن لجنة التحكيم في ذلك العام أظهرت التقدير فعلياً؛ لكل ذلك العمل الذي بذلناه في صناعة تلك الساعة، وأيضاً لكل تلك اللحظات الصعبة التي مررنا بها في ذلك المشروع.

كل من ساعتي “إف بي1″ و”إف بي 1آر” لديه العلبة نفسها، لكن رغم ذلك تبدو ساعة “إف بي 1آر” شديدة الاختلاف؛ كيف تمكنتم من تحقيق ذلك؟

ربما تبدو ساعة “إف بي 1آر” مثل بعض ساعات بيرتو العلمية، ولكن على نطاق أصغر كثيراً؛ فهي تشبه جداً إبداعات بيرتو.

كيف كانت ردود الفعل تجاه ساعة “إف بي 1آر” حيث إنها مشابهة ولكنها في الوقت نفسه شديدة الاختلاف مع ساعة “إف بي 1″، من حيث التصميم؟

نظراً لوجود مؤشر الساعات داخل الفتحة الصغيرة، كان علينا بالفعل إعادة النظر في تصميم عدد من أجزاء الحركة، ولهذا فهي ليست نفس الحركة على الإطلاق. وفي الواقع فإن الساعة تعد إعادة تفسير لإحدى الساعات الأثرية القديمة.

كيف كان رد الفعل داخل الصناعة عندما أطلقتم ساعة “إف بي1″؟

كانت الصناعة متفاجئة تماماً بأننا نستطيع إطلاق ساعة شديدة الابتكار وشديدة الأهمية، وفي الوقت نفسه كانت أمراً صحيحاً من الناحية التاريخية. فقد أردنا الإشادة بذلك المبدع، ولكننا لم نرد فحسب إعادة إنتاج شيء ما تم عمله بالفعل، أو تصنيع ساعة تعبر عن الحنين إلى الماضي، وتكون نسخة عن إحدى الساعات التي توجد في متحفنا. فهذه الساعة تمثل بالفعل تفسيراً لمفهوم تصورنا أن بيرتو كان سيقوم بعمله.

عندما رأيت ساعة “إف بي 1” لأول مرة، شعرت بأنك لم تكن تتوقع أن تكسب مالاً من وراء هذه المغامرة، وأنها بصورة أكبر عبارة عن مشروع يعبر عن الشغف، فهل هذا صحيح؟

كانت مهمة الفريق هي عدم قطع أي زوايا، ولم نطلب منهم تقليل الوقت الذي يستغرقونه في العمل على أي مكون من مكونات الساعة، كما لم نطلب منهم تحجيم أو قطع الزوايا، بل كنا نطلب منهم أن يقوموا بعمل أفضل ما يمكنهم عمله، ضمن فئة العمل، أياً كان ذلك.

كيف يمكنك تحقيق التوازن بين الطلب الذي تتلقاه من نقاط البيع الخاصة بك، حول العالم، والعدد المحدود من الساعات التي يمكنك صنعها؟

لدينا الآن تسع نقاط للبيع، بما في ذلك صالة عرض “آرت إن تايم” التي قمت بافتتاحها في موناكو، حيث لدينا حالياً ثلاث ساعات، وهو أمر استثنائي. وقد قمنا حتى الآن بتسليم نحو 50 ساعة، وكان لدينا نحو سنة من الإنتاج حسب الطلب حتى مارس 2019. والاهتمام الشديد بالتفاصيل الذي نطبقه على كل ساعة، لا يسمح لنا بتسريع عملية الإنتاج، كما أن هذه ليست هي الفكرة؛ فالفكرة هي تصنيع أي ساعة مطلوبة بأفضل الطرق الممكنة. وبشكل أساسي، هناك ثلاثة من صانعي الساعات يشاركون في صنع الساعة، ولم تكن الفكرة أبداً هي زيادة عدد القطع التي نقوم بصنعها في السنة.

هل صحيح أنك تعرف جميع الأشخاص الذين اشتروا ساعة “فرديناند بيرتو”؟

ليس بالفعل، وإنما أعرف بعض الأشخاص، ولكن هناك آخرين قاموا بشراء الساعة من إحدى نقاط البيع، مثل سنغافورة، وليس لدي أي فكرة عمن هو المالك سعيد الحظ. لكنه صحيح أنني شاركت شخصياً في أولى الجولات الترويجية، والمعارض، وحفلات العشاء التي أقمناها للجامعين. وقد كان ذلك أمراً كاشفاً بالنسبة إليّ؛ لأنه يشبه إلى حد ما الدخول إلى عالم آخر لصناعة الساعات.

ماذا كانت ردة فعل جامعي الإبداعات الراقية في المرة الأولى التي شاهدوا فيها إحدى ساعات “فرديناند بيرتو”؟

كان الأمر غالباً مزيجاً من المفاجأة والافتتان، وأيضاً محاولة استيعاب والإلمام بما كانوا يشاهدونه. فقد كان نظام وتجهيز ووظائف الساعة، جميعها مبتكرة وخارج الصندوق تماماً، وهذا هو كل ما كانت عليه إبداعات بيرتو منذ أكثر من 200 عام.

ما هي خططك بالنسبة إلى العلامة في المستقبل، بالنظر إلى أن “فرديناند بيرتو” كعلامة قد حققت شهرة عالية جداً في مثل تلك المدة الزمنية القصيرة؟

قد يكون شعورك هكذا لأنك تعرف الصناعة جيداً، لكن لا يزال هناك الكثير مما يجب عمله من ناحية الانتشار والشهرة، مع أنني سعيد للغاية بسماعك تصور العلامة بهذه الطريقة. ومن حيث المشروعات، لدينا مشروعات إضافية باستخدام الكاليبر الحالي. كما نعمل أيضاً على كاليبر ثان، والذي من خلاله نأمل أن نفاجئ الجميع مرة أخرى؛ لأن الفلسفة الأساسية هي ضبط قياس الزمن (الكرونوميترية) والدقة، وما نحاول تحقيقه هنا هو أمر تجريبي ولذا سيكون مثيراً للاهتمام. وهكذا فنحن لدينا خارطة طريق اعتمدناها للأعوام الخمسة المقبلة. ومع تقدمنا في مشروعنا، توصلنا إلى أفكار جديدة، كما يجب علينا أن ننهي ما بدأناه؛ إلا أنها مغامرة كبيرة ورائعة، فالأمر يشبه أن تسافر أجهزة الكرونوميتر التي أبدعها بيرتو إلى أجزاء جديدة من العالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى