لقاءات

لوي موانيه.. ألغاز صناعة الساعات وإبداعات عجائب الفضاء

في العام 2004 أسس جان-ماري شالير، الرئيس التنفيذي والمدير الإبداعي لدار الساعات السويسرية الراقية لوي موانيه، مشغل صناعة الساعات الخاص به؛ تكريماً لذكرى لوي موانيه (1768-1853)؛ صانع الساعات والفنان وعالم الفلك، الذي إليه يُنسب الفضل في اختراع الكرونوغراف والميزان ذي التردد العالي. أما شركة الساعات الفاخرة التي تحمل اسمه، فتبتكر ساعات راقية تتميز باستخدام مواد غير تقليدية وتقنيات مبتكرة في صنعها، تأتي إما بإصدارات محدودة حصرية أو قطعاً فريدة. هنا نتحدث إلى شالير عن بعض إبداعات العلامة.

هل يمكن أن تخبرنا كيف نشأت فكرة تطوير ساعة ساڨانا توربيون؟
أنشأتُ هذه الشركة لأنني أحب صناعة الساعات، والأشخاص الذين يصنّعون الساعات، وكذلك الذين يشترونها. وصناعة الساعات هي حرفة تقليدية للغاية اختُرعت منذ مئات السنين، وعلى سبيل المثال؛ عند صنع ساعات الكرونوغراف علينا تذكر أن هذه التقنية ابتُكرت قبل 200 سنة. واليوم بفضل المعالجة الدقيقة لأشباه الموصلات، وتكنولوجيا الليزر، والآلات الحديثة؛ يمكننا صنع قطع رائعة لم نكن قادرين على صنعها من قبل، وبالتالي فنحن ننشئ مرحلة جديدة في صناعة الساعات. وتُعد صناعة الساعات صناعة محافظة للغاية، ولكنها في الوقت نفسه شديدة الابتكار. وساعة ساڨانا توربيون مثال جيد على ما أقول، لأنه لم تُصنع ساعة من قبل على الإطلاق استناداً إلى لغز. يكمن سحر ساعة ساڨانا في كونها مصنوعة من 81 قطعة من أحجية الصور المقطّعة، صُنعت على 4 مستويات أو ارتفاعات مختلفة، وهذا يجعل من السهل على من يرونها إدراك أنها لغز – وليست مجرد نمط على لوحة نحاسية عادية – يحتوي أيضاً على لوحة صغرية ميكرو لحيوان. الفكرة كانت في دفع حدود الابتكار إلى مدى أبعد، كما نفعل في معظم الأوقات؛ حيث إن هذا هو دافعنا. فنحن لا نرغب في تقليد المنتجات الأخرى، ولكننا نريد أن نشق طريقنا الخاص بنا.

ما هي الخطوات المختلفة لابتكار الميناء بتصميم أحجية الصور المقطّعة؟
كل شيء يبدأ بقطعة من النحاس تقطّع بدقة باستخدام تقنية الليزر إلى 81 قطعة مختلفة. بعد ذلك يتم تجميع هذه القطع الـ81 – وهو في حد ذاته عمل كثير وجهد كبير. من ثمّ يقوم أحد الفنانين بالرسم على هذه القطع، ليتم بعدها تفكيكها، حيث إن حواف جميع القطع يجب أن تكون أيضاً مرسومة. فنظراً إلى أن هذه القطع الـ81 توجد على مستويات مختلفة، تكون حوافها مرئية ولذا تحتاج إلى أن تُرسم بالكامل. حالما يتم رسم الحواف، يُعاد تجميع القطع مرة أخرى، وفي النهاية يتم لصقها معاً، ما يضمن عدم تفكك القطع بسبب الصدمات أو السقوط.

وكيف يمكنكم تجميع قرص الميناء على مستويات مختلفة؟
في الواقع يوجد 4 صفائح نحاسية، حيث نأخذ – على سبيل المثال – 60 قطعة من صفيحة نحاسية واحدة، و5 من الصفيحة الثانية، و8 من الصفيحة الثالثة، وهكذا حتى نحصل على ما مجموعه 81 قطعة. وبما أن الصفائح مختلفة السماكة، يكون لدينا 81 قطعة مختلفة السماكة؛ أي بمستويات مختلفة. وقد لاحظ الناس أنه لم يكن أمراً رائعاً فحسب، بل كان أيضاً شيئاً لم يتم صنعه من قبل، وشديد الأصالة. ويبدو الأمر وكأننا اخترعنا حرفة فنية جديدة.

يبدو من شرحك أنها عملية شاقة وتتطلب جهداً كبيراً؛ فكم عدد القطع التي يمكنكم تصنيعها في السنة؟
نعم بالفعل إنها عملية تتطلب الكثير من العمل والجهد؛ حيث إن كل شيء يتم صنعه يدوياً، ويمكننا صنع ما يصل إلى 6 قطع في السنة، وهو عدد ليس كبيراً، ولكننا نريد أيضاً أن نبقي هذه الساعة فائقة الحصرية. وهذا يعني أنه يتعين علينا العمل مع عدد محدود جداً من الفنانين، الذين يمكنهم رسم قرص الميناء بإتقان. إذ لا يستطيع الكثير من الفنانين الوصول إلى هذا النوع من الكمال المرجو، حيث إن الحرف الفنية اليدوية من الصعب المحافظة على استمرار ممارستها. فعندما يكون كل شيء على ما يرام في عالم صناعة الساعات، سيكون هناك العديد من الأشخاص المستعدين والراغبين في القيام بهذا النوع من العمل، في حين أنه عندما تكون الأوقات أكثر صعوبة لا يستطيع بعض الفنانين الاستمرار والبقاء في هذا المجال. فقد كنا نعمل مع إحدى الفنانات، وهي فنانة مختصة بفن النقش شديدة الموهبة تعمل مستقلة، وقد قامت بصنع عدد من الموانئ لصالحنا، إلا أنها في أحد الأيام أخبرتنا أنها ستتوقف عن العمل في هذا المجال؛ لأنها لم تعد تحصل على ما يكفي من العمل، ومن ثم بدأت العمل في وظيفة عادية، مثل العمل في سوبر ماركت أو شيء من هذا القبيل. وهذه ليست حالة نادرة، فقد حدث نفس الأمر لعدد لا بأس به من فناني النقش.

هل يمكن أن تحدثنا عن الساعات التي طرحتها لوي موانيه عندما شاركت للمرة الأولى في معرض ساعات وعجائب قبل أربع سنوات؟
كان ذلك أثناء جائحة كورونا عندما شاركنا لأول مرة في معرض ساعات وعجائب بعرض ساعاتنا، وقد أردت البدء بمشروع كبير رغم أن نسخة ذلك العام كانت رقمية بالكامل. فقد توصلت حينها إلى مفهومين – أو فكرتين – مختلفين؛ أحدهما كان عجائب الدنيا الثماني. والفكرة كانت عبارة عن صندوق كبير وبداخله توجد ثماني ساعات تصوّر أفضل المعالم المعمارية في عالمنا؛ مثل تاج محل في الهند، والجامع الأزرق (جامع السلطان أحمد) في تركيا، وسور الصين العظيم، في حين أن الصندوق الآخر، أو المفهوم الآخر، كان يُدعى مون ريس – سباق القمر – وكان يحتوي على أربع ساعات، وهذه الساعات الأربع تمثل أربع محطات مهمة في رحلات الفضاء الأميركية أبولو – أبولو 11 وأبولو 13 – ورحلات الفضاء الروسية لونا – لونا 9 ولونا 13. وقد قمنا بجمع بعض الشظايا – أي القطع الصغيرة من المواد التي كانت جزءاً من المعدات، التي استُخدمت على متن المركبات الفضائية لتلك البعثات أو الرحلات. فلدينا قطعة من مركبة الفضاء أبولو 11 التي دارت حول القمر وعادت إلى الأرض، حيث قمنا بتضمين هذه القطعة في الساعة. في ما يخص رحلات الفضاء الروسية لونا، فقد كانت رحلات فضائية شديدة الأهمية؛ حيث كانت لونا 9 فعلياً أول مركبة تهبط على سطح القمر، وقامت بإرسال أولى الصور الملتقطة لسطح القمر، لكنها لم تعد إلى الأرض، لذلك ليس لدينا قطعة من مركبة لونا 9، إلا أننا تمكنّا من الحصول على قطعة من آخر رحلات لونا – لونا 13 – حيث استخدمناها في تصنيع كلتا ساعتي لونا. وقد اقتنى هاتين الساعتين أحد جامعي الساعات شديدي الأهمية، والذي قدّر أهمية القطعة بسبب ندرتها الفائقة وليس بسبب ارتباطها بالرحلات إلى القمر. لم يكن أمامنا سوى ثلاثة أشهر عندما علمنا بمشاركتنا في معرض ساعات وعجائب، حتى ننتهي من تصنيع هاتين المجموعتين النموذجيتين، وبالفعل تمكنا من الانتهاء من تصنيعهما. واليوم، فإن نفس المشروع من المفترض أن يستغرق عاماً ونصف العام للانتهاء منه، وقد تمكنا من الانتهاء منه حينها لأننا كنا الشركة الوحيدة التي كلفت صانعي الساعات بعملٍ في ذلك الوقت.

هل يمكن أن تحدثنا عن ساعة ميموريس التي طرحتها الشركة منذ عدة سنوات ولا تزال تحقق نجاحاً كبيراً؟
عندما بدأتُ هذه الشركة، كنا قد فقدنا تاريخ لوي موانيه، حيث لم نعرف شيئاً عن حياته أو أعماله. لكني كنت موقناً بأن عليّ إعادة إطلاق هذه الشركة، واتبعت حدسي، ومع ذلك كنت أعمى فلم أعرف إلى أين أتجه أو أي طريق يجب أن أسلك. عندما اكتشفنا في العام 2012 ساعة الكرونوغراف التي ابتكرها موانيه، كنت سعيداً للغاية. بعدها أمضينا أكثر من تسعة أشهر في دراسة هذه الساعة – بفك وإعادة تجميع الحركة، ومخاطبة المتحف الوطني للساعات في لا شو – دو – فون للتأكد من أن الجميع موافق على أن ما سنكشف عنه صحيح. وفي 21 مارس 2013، أعلنّا أن تاريخ صناعة الساعة يجب إعادة كتابته، وأن مخترع الكرونوغراف هو لوي موانيه. لكن كان يتعين علينا أن نترجم تلك الساعة بما يناسب لغة عصرنا، فكان علينا أن نتصور تصميم ساعة ميموريس. كان مشروعاً مكلفاً ومركزاً للغاية، حتى توصلنا إلى هذه الفكرة في العام 2015، وهي كرونوغراف مدمج بالكامل. وقد مرت اليوم ثمانية أعوام ولا تزال الساعة تحقق نجاحاً كبيراً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى